هل يُمكنك أن تُعرّف مشاعرك حين تنظر إلى المرآة؟ هل هي خبرة سارّة أم غير سارّة؟ وهي يؤثر شكل جسدك أو حجمه على قيمتك كإنسان؟
في العام 1935 – كتب الباحث الألماني "بول شيلدر" دراسة بعنوان "صورة ومظهر الجسد البشري" – قام خلالها بتعريف صورة الجسد باعتبارها:
"تلك الصورة التي نُشكّلها في عقلنا تجاه جسدنا".
تعامل "شيلدر" مع صورة الجسد باعتبارها ظاهرة نفسية – قبل أن يقوم "بيتر دافيد سليد" بإعادة دراسة الأمر في العام 1988 – حيث اعتبر صورة الجسد ظاهرة عقلية سلوكية – فهي:
"الصورة التي نحملها في عقلنا عن حجم وشكل ومظهر أجسادنا – ومشاعرنا تجاه هذه الصفات وتجاه الأجزاء المختلفة لجسدنا".
صورة الجسد – المشاعر والأفكار:
وفقا للتعريفين السابقين – يمكن أن نعرّف صورة الجسد على أنها:
"كيف نرى ونشعر ونفكر في أجسادنا وكيف نتصرّف بناء على هذه الأفكار وتلك المشاعر والرؤى"
بحسب "مؤسسة الصحة العقلية بالمملكة المتحدة - ترتبط صورة الجسد بعوامل عدة – تشمل:
1- التصور الذاتي: كيف نرى أجسادنا ومدى دقة هذه الرؤية.
2- الرضا: إلى أي مدى نرضى عن أجسادنا ومظهرنا.
3- البيئة: كيف نرى أجسادنا بالنسبة للبيئة المحيطة بنا.
4- رؤية الآخرين: إلى أي مدى يؤثر رأي الآخرين فيما نشعر به تجاه أجسادنا وتجاه أنفسنا.
ما هي صورة الجسد الصحية؟
صورة الجسد الصحية تعني أن تكون راضياَ عن جسدك، وهي أيضاً قدرتنا على احترام أجسادنا، تَقَبُّل قدراتها، وتقديرها كما نُقَدِّر ذواتنا.
متى يمكن للشخص أن يختبر قلقا بشأن صورة جسده؟
لا يعتبر اختبارنا لمشاعر قلق تجاه أجسامنا مشكلة عقلية في حد ذاتها. ومع ذلك، إذا حدث واختبرنا أفكارا سلبية مستمرة تجاه أجسامنا، أفكاراً تسببت في التأثير على حياتنا اليومية ودفعتنا إلى اختيار أساليب مسايرة غير مناسبة فإن ذلك يكون إشارة على وجود مشكلة صحية عقلية.
يمكن خلال هذه الفترة أن نعاني من:
1-الشعور بالضيق.
2- تدني في نوعية الحياة.
3- أعراض اكتئاب وعزلة.
4- سلوكيات أكل غير صحية.
من أين تبدأ مشاكل صورة الجسد؟
نحن مختلفون وطريقة تعاملنا مع التحديات التي نمر بها لها تأثير كبير على تصورنا لأجسامنا.
وهناك العديد من العناصر التي يمكن أن يكون لها تأثير على رؤيتنا لأجسامنا – وتشمل:
1- علاقتنا بأجسامنا. كيف نتحدث عنها وكيف نشعر تجاهها.
2- علاقتنا بعائلاتنا وأصدقائنا.
3- كيف تتحدث العائلة والأصدقاء عن الجسد والمظهر.
4- التعرُض لما يسمّى ب "الأجسام المثالية" من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
5- الضغط الاجتماعي من أجل الظهور بمظهر معين مناسب للدائرة الاجتماعية.
هل هناك ارتباط بين قيمنا وبين رؤيتنا لأنفسنا في المرآة؟
يمكن لأفكارنا وسلوكياتنا أن تؤثر وبسهولة على رفاهتنا ونمط حياتنا والعكس.
قد يعتقد البعض أن قيمه تعتمد على شكله الخارجي.
يمكن أن نلاحظ ذلك حين يتبَنّى الشخص عادات أكل غير صحية، أو ينخرط في ممارسة الرياضة بشكل مستمر، أو يتجاوز الوجبات،أو يتناول المُنشطات، أويتجنب التجمعات الاجتماعية قبل أن يُطوِّر ميلاً إلى العزلة حتى يبدو بمظهر معين.
كيف يقودنا عدم الرضا عن شكل الجسد إلى الشعور بالخزي؟
الشعور بالخجل أو الخزي تجاه الجسد هو ما يُعرف ب "تطبيع المثالية" – والتي تعني تقدير وتمجيد والثناء على "الجسد المثالي" واعتباره حقيقة لا تقبل الجدل.
يحدث الخجل من الجسد حين نعتقد في عدم قدرتنا على الوصول للجسد المثالي، أو حين نشعر بأننا لا نناسب المجموعة، أو بالأحرى لا ننتمي.
ما هي تداعيات الشعور بالقلق تجاه صورة الجسد؟
يمكن أن يؤدي الشعور بعدم الرضا عن الجسد إلى اختبار عادات أكل سيئة، اضطرابات طعام، واضطرابات وزن.
إلى أي مدى تؤثر صورة الجسد على الأطفال والشباب؟
كشفت دراسات عدة أن صورة الجسد تحتل المرتبة الثالثة ضمن أكبر المشاكل التي يواجهها الشباب – بعد مشاكل البطالة والفشل الدراسي.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد بأن الأطفال – دون سن السادسة – يعانون من مشاكل في صورة الجسد.
كيف يمكن للأقران والعائلة أن يؤثرا على صورة الجسد؟
تتأثر رؤيتنا لأجسامنا وتفكيرنا عنها بعلاقتنا بأقراننا وعائلاتنا. كما يمكن أن يؤدي التعرض لما يسمى ب "الأجسام المثالية" وكذلك التعرض لتعليقات ناقدة إلى الشعور بالتشاؤم، الخزي، والوحدة.
وبحسب دليل الوالدين "مايند أوفر ميرور" – فإن تحدّث الوالدين بشكل سلبي عن الأجسام أو انتقادها هو أمر أكثر خطورة من إظهار سلوكيات عنيفة لإنقاص الوزن.
ما هي العوامل التي تؤثر في تصورات الشباب والأطفال عن أجسامهم؟
1- مرحلة البلوغ:
مرحلة حساسة للجنسين – خاصة من يبلغون مبكرا أو متأخرا عن أقرانهم.
تشمل هذه المرحلة تغيّرات في الطول والوزن وشكل الجسم، وهي أيضاً المرحلة التي يختبر خلالها الشباب المقارنات والتنمر.
2- الثقافة:
قد يؤثر الانتقال إلى أماكن جديدة أو التعامل مع ثقافات وقيم جديدة على رؤية الشباب لأجسامهم.
3- الصحة الجسدية والقدرات الخاصة:
يمكن للأمراض المزمنة أو الإصابات الجسدية طويلة المدى أن تغير طريقة نظرة الشباب إلى أجسامهم.
4- التنوع العصبي وصعوبات التعلُّم:
تؤثر صعوبات التعلم في قدرة الأشخاص على:
فهم واستخدام اللغة، الحساب، حركة الجسد، والانتباه.
هذه القدرات الخاصة حالة مستمرة مدى الحياة وتحتاج إلى تعليم خاص.
كذلك يجد الأشخاص المصابون ب "اضطراب طيف التوحد" صعوبة في الانتباه الكامل وكذلك التحكم في أجسامهم والتواصل معها.
5- التغيّرات الحياتية والفترات الانتقالية:
والتي تشمل الاحتفالات المرتبطة بالعمر، كأعياد الميلاد، احتفالات التخّرُج، تغيير المدرسة. بالإضافة إلى اختبار الطلاق أو الصدمات.
6- التكنولوجيا:
بحسب مؤسسة الصحة العقلية ببريطانيا يؤثر استخدام أساليب تنقية الصورالمُثبَّتة بشكل تلقائي في تطبيقات "تيك توك" أو "انستجرام" – وكذلك تطبيقات تعديل الصور – المتاحة بشكل مجاني وغير المحددة بفئة عمرية – التي تنقّي الألوان، تقوم بتبييض الأسنان، تعديل شكل الجسد، درجة لون البشرة، الطول، وتصوير العضلات – يؤثر استخدامها على صورة الجسد وكذلك على الثقة بالنفس بشكل سلبي.
كيف يمكن أن تتأكّد من أن طفلك، ابنتك/ابنك المراهق يعاني من مشكلات تجاه صورة جسده؟
على الرُغم من أن اختبار أفكار بشكل صورة أجسادنا أمر لا يمثل مشكلة عقلية في حد ذاته – إلا أننا يجب علينا أن نكون حذرين حين نكتشف حدوث تغيّرات سلوكية ملحوظة.
والنقاط التالية تمثل علامات تحذيرية – لو حدث واستمرت مدة طويلة فإنها قد تشير إلى وجود مشكلة:
1- السلوكيات: تغيّرات ملحوظة في المزاج والتواصل الشخصي.
2- مراقبة الذات: عبر إظهار قلق مستمر تجاه صورة جسدنا.
3- رغبة في الإختفاء/ إخفاء الجسد: الشعور بضغط يجعلنا نميل إلى إخفاء أجزاء معينة من جسدنا (بعيدا عن سلوكنا المُعتاد وكذلك ثقافتنا).
4- الانسحاب: عدم القدرة على المشاركة في الأنشطة التي قد تتطلب أن تكون أجسامنا مكشوفة – مثل السباحة أو أي أنشطة رياضية مدرسية – (بعيدا عن التعاليم الدينية والتقاليد).
5- الشعور بالخجل من الجسد/ نقد الذات: عبر منح أجسامنا صفات معينة، أو عبر استخدامها مادة للضحك أو عبر التعبير عنها بأساليب تفكير جامدة – مثل تصنيف الأجسام إلى "جسد جيد وآخر سيء"، أو ما يُعرف ب "تفكير الأبيض والأسود".
6- تسليع الذات: وهو أن نعامل أجسادنا كما السلعة التي تحتاج إلى إصلاح.
7- المقارنة الاجتماعية: الانخراط في محادثات حول جمال وجودة أجسام الآخرين مقابل شكل أجسامنا أو العكس.
8- التجميل: قضاء وقت طويل أمام المرآة.
9- كلام ذاتي سلبي: مثل وصف زيادة الوزن بالفشل.
10- عقلية جامدة: الانخراط في مُجادلات حول ما "يجب" أن يكون عليه شكلنا، بالإضافة إلى مدح النحافة أو الثناء على بناء العضلات.
قد يجد الرجل صعوبة في التعبير عن معاناته بسبب تنميط المشكلات العقلية ومنحها صفات أنثوية.
تتأثر تصورات الرجل وارتباطه بجسده بعدة عوامل منها تدني ثقته بنفسه، معاناته من صدمات الطفولة، صدمات جنسية، معتقدات نمطية وكذلك أي مفاهيم حول صحته العقلية والتي غالبا ما تفتقد أي أساس من الصحة.
كما يتأثر الرجل – خاصة بعد تجاوز مرحلة المراهقة - بالتعرّض المستمر لمعايير غير واقعية، تُسهم في تطويره لمشكلات مع الطعام ومع الرياضة.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة "أنجليا روسكين – بريطانيا" يرتبط مفهوم "الرجولة" بصفات الصلابة، الاعتماذ على الذات، والسعي وراء مكانة اجتماعية مرتفعة؛ الأمر الذي يقود الرجل إلى إضفاء قيمة كبيرة على بناء جسده.
تسببت هذه السلوكيات في ظهور مصطلحات جديدة مثل: "اضطراب تشوّه العضلات" أو "فقدان الشهية العصبي العكسي" أو "بيجوركسيا" والتي تصف هوس الرجل ببناء جسد ضخم مفتول العضلات.
تضيف الدراسة أنه كلما منح الرجل تركيزه على اكتساب العضلات، وتناول المُنشطات من أجل تحقيق أهداف غير واقعية فإن احتمالات معاناته من أعراض القلق، الانعزال، الاكتئاب وكذلك الأفكار الانتحارية – تصبح مرتفعة.
كيف تبني صورة جسد إيجابية؟
مشاكل صورة الجسد هي خبرة مُتعَلَمة – ما يعني أننا قادرون على تغييرها عبر ما يُعرف ب "إعادة صياغة الإدراك". والذي يمكن تحقيقه عبر النقاط التالية:
1-الرفق بالذات:
كشفت دراسة أن تعاملنا مع أجسادنا بالحب والرفق يمكن أن يُعزّز من رفاهتنا. كما تساعد الكتابة التعبيرية، غير المُتحيّزة والتي تستخدم أساليب الرفق بالذات تجاه أجسامنا في تقليل إحساسنا بالوحدة ما يسهم في تخفيف أعراض القلق، نقد الذات ويُحسِّن من ثقتنا بأجسادنا.
2- تحدي المفاهيم المحدودة:
عبر التوقف عن التشكيك في قدراتنا وعدم السماح للخوف بأن يرسم لنا ما يجب أن نفعله.
3- حديث النفس الإيجابي:
لأن اللغة مهمة، نحتاج أن نتعلّم كيف نتحدث مع أنفسنا بطريقة تعكس الحب والاهتمام والامتنان.
4- التوقف عن مراقبة أوزاننا:
توقف عن ربط صحتك بوزن جسدك، ركّز على دعم رفاهتك الجسدية والعقلية عبر الانخراط في أنشطة الاعتناء بالذات.
5- التدوين:
اكتب قائمة تضم من 5 إلى 10 أمور تحبها في نفسك غير مرتبطة بشكل جسدك أو مظهرك.
6- انتبه لرسائل الإعلانات:
تذكّر أن هدف الإعلانات التجارية هو بيع فكرة أنك يجب أن تغيّر من مظهرك حتى تُصبح محبوبا ومُقدّراً. انتبه لهذه الرسائل وتذكّر أنها تستخدم صورا مُعدَّلة لا تمثل الواقع.
7- تعرّف على قيمك:
اكتب ما تؤمن به وادمجه في أنشطتك اليومية.
8- فكّر فيمن تحب:
واسأل نفسك: "هل أحبهم بسبب مظهرهم أم بسبب شخصياتهم؟"
9- راقب بيئتك:
احط نفسك بأشخاص إيجابيين يشاركونك قيمك.
10- راقب محتوى وسائل التواصل الاجتماعي:
توقف عن متابعة أي أشخاص أو حسابات تُشعرك بالخجل من جسدك أو مظهرك.
11- اختر ملابسك:
ارتدِ ما يُشعرك بالراحة ويُعبّر عن شخصيتك.
12- ارسم حدود:
تعلّم مهارة التواصل التوكيدي، وأكّد على مَن حولك عدم رغبتك وعدم تقديرك لأي تعليقات بشأن جسدك – سلبية كانت أم إيجابية.
13- تجنب نقد جسدك:
كُن واعيا باللغة التي تتحدث بها عن جسدك.
14- لا تشعر بالخجل من عادات أكلك:
تذكّر أن جسدك لا يعبّر عنك. امنح نفسك حق أن تأكل ما تريد، أن تمارس الرياضة بهدف تحقيق السعادة وليس كعقاب على تناولك للطعام، خصّص وقت لراحتك وتذكّر أنه لا عيب في أن تتناول كميات طعام تزيد عمن حولك.
15- تحدّى أفكارك المشوهة:
راقب هذه الأفكار. هل أنت مؤمن بعبارات: "فقدان الوزن سوف يُشعرني بالسعادة"، "أنا سمين"، "لدي بطن كبير"، "يجب أن أمارس الرياضة كل يوم حتى أُصلح نواقص جسدي"، "أنا قبيح وأحتاج لجراحة تجميل".؟
16- تعامل مع مشاعرك:
يمكن أن تكون مشاكل صورة الجسد نتيجة لصدمات طفولة أو لمشاعر لم يتم التعبير عنها. تعلّم أن تتعرف وتعترف بمشاعرك، قدّرها واشعر بها ولا تحكم عليها.
17- المثالية تقتل السعادة:
لا يوجد ما يُسمّى ب "الجسد المثالي"، فأجسادنا خُلقَتْ لتكون مرنة ومتغيرة. إذا تقبّلت هذه الحقيقة يمكنك أن تبني علاقة هادئة مع جسدك.
قيتمك كإنسان أكثر أهمية من شكل جسدك، تعلّم أن تحترم وتتقبّل جسدك، تعلّم أن تحترم وتتقبّل أجساد الآخرين. اطلب المساعدة، ولا تستمع إلى رسائل ثقافة الدايت، أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو المقارنات التي تقول بأنك في حاجة لتغيير جسدك حتى تكون محبوبا ومقبولا. لأنك جميل كما أنت.