لا تتعلّق اضطرابات الطعام فقط بالعلاقة غير السويّة مع الجسد أو الطعام، لكنها اضطرابات جسدية، نفسية واجتماعية ما يعني أن الأسباب الجسدية والنفسية والعوامل الاجتماعية لها تأثير مباشر على تطورها.
قد يكون تعاملنا مع أجسادنا أو مع الطعام مجرد تعبير عن علاقتنا بذواتنا – كيف نرى وكيف نقيّم أنفسنا وما الذي نعتقده عن قدراتنا – وقد يكون أيضا تعبير عن تواصلنا الداخلي والخارجي مع عالمنا الخاص ومع المحيطين بنا.
بناء على ذلك – يجب علينا أن نعرف المزيد عن أنماط الجوع المختلفة وكيف تتداخل مع شخصياتنا، بيئتنا، ثقتنا بأنفسنا وتقديرنا لذواتنا وكيفية تعاملنا في حياتنا اليومية.
يناقش الدليل التالي أبرز الأنماط، علاماتها وكيف يتم التعامل معها، وهو دليل مناسب إذا كنت تعاني أنت أو شخص عزيز عليك علاقة مضطربة مع الأكل:
1-جوع سوء التغذية:
هو جوع جسدي قد تختبره إذا مارست أي نوع من أنواع تقييد الطعام، مقارنة باحتياجات جسدك الحقيقة.
وتقييد الطعام يشمل:
- التقييد الجسدي/تقييد الكمية: كأن تتناول كميات قليلة جدا.
التقييد العقلي/تجنب الطعام: كأن تمنح طعامك صفة (صحي وغير صحي) وتشعر بالذنب إذا حدث وتناولت طعام تعتقد أنه "غير صحي."-
التقييد الزمني: أي تلتزم بالأكل في مواعيد محددة ولا تسمح لنفسك – حتى لو كنت جائع – بالأكل خارج هذه المواعيد.-
- التقييد الاجتماعي: وهو أن تتجنب أي تجمعات يُحتمل فيها أن تواجه طعام لا تريد أن تتناوله "طعام سبق وقمت بتصنيفه".
العلامات:
- تجنب نوع معين من الطعام (الكاربوهايدرات، الدهون، اللحوم، الألبان، الحلويات).
نقص في البروتين أو الفيتامينات.-
- اختبار حالة "العقل الجائع / العقل الذي يعاني من سوء التغذية" والمُتمثلة في حدوث حالات قلق حاد، تفكير غير عقلاني، تغيّر في صورة الجسد.
خوف من زيادة الوزن.-
- خوف من فقد السيطرة على الأكل.
ماذا تفعل؟
إذا كنت – وبدون وجود أسباب طبية أو أخلاقية أو دينية – تمنع نفسك عن تناول طعام معين أو لا تأكل الكميات التي يحتاجها جسدك، فعليك أن تسمح لنفسك بتناول هذا الطعام حتى لو اختبرت مشاعر الخزي أو الذنب.
عليك أن تبدأ ببطء – ادمج هذا الطعام في وجباتك بشكل يومي، واطلب المساعدة من المحيطين بك.
مع الوقت سوف يتأقلم جسدك من جديد ومعه تختفي مشاعر الخزي والذنب.
2- جوع العقل
الجوع العقلي هو مرحلة طبيعية خلال التعافي من اضطرابات الأكل – أو من أي نظام غذائي تقييدي ويعني:
التفكير المستمر في الطعام، التفكير في أمور قد تؤدي إلى الطعام، أو التفكير في الطعام الذي تخشى تناوله.
تؤدي اضطرابات الطعام إلى اختبار حالة "عجز الطاقة"، فنحن لا نحصل على كميات وأنواع مناسبة من الطعام ما يعرّضنا لضغط جسدي ونفسي كبير.
خلال هذه المرحلة يصبح جهازنا الهضمي أبطأ، لأن عقلنا بات مُقتنعا أن الطعام نادر وغير متاح ويجب علينا أن نكون في حالة حركة دائمة.
يرسل جهازنا الهضمي إشارة إلى عقلنا بأننا في حاجة لمزيد من الطعام أو الطاقة حتى يعمل يكفاءة مُثلى، بعدها يترجم العقل هذه الرسالة إلى أفكار تتعلّق بالطعام لدفعنا لتناول المزيد من الطعام.
العلامات:
- التفكير في الطعام:
يحدث هذا الأمر حتى لو كنت انتهيت من تناولك وجبتك للتوّ، قد تشعر بأنك تفكر فيما يمكنك تناوله في الوجبة التالية، قد تبني في ذهنك أكلة معينة، أو تتخيل أنك تأكل طعامك المخيف – وقد تختبر الطعام في أحلامك أيضا.
- التشكيك في شعورك بالجوع:
تستمر في سؤال نفسك "هل أنا جائع حقا؟" – وهذا السؤال يعني أنك "جائع".
السبب في ذلك هو أن اضطراب الطعام – وبعد مدة طويلة – أقنعك بأن تفقد الثقة في جسدك وفي إشاراته وخلق علاقة طردية بين شعورك بالجوع ونظام المكافأة في عقلك.
-الهوس بكتب الطهي، صور الطعام، برامج الطهي:
يجعلك اضطراب الطعام تبحث دائما عن سبب لتأكل، لكن ولأن عقلك مقتنع بأن الأكل غير متاح فهو يبحث عن بديل له.
يمكن لبرامج وكتب الطهي وصور الطعام أن تكون بديلا عن الطعام الحقيقي، فهي تجسيد لرغباتنا وحاجتنا لتناول المزيد من الطعام.
-التفكير المستمر في ممارسة الرياضة أو أي حركة زائدة:
الهوس بممارسة الرياضة قد يكون علامة لاحتمال تطوير اضطراب طعام، لأن الرياضة قد تستخدم لأداء دورين هما:
أولا: وسيلة لتسمح لنفسك بتناول الطعام.
ثانيا: وسيلة لحرق الطعام.
لذلك فالتفكير في ممارسة الرياضة هو تفكير في الطعام ، إذن بتناول الطعام، أو وسيلة لتفريغ الطعام.
-الرغبة في البقاء مُنشغلا طول الوقت:
قد تؤدي الرغبة في التحكم في كل شيء في تطوير اضطراب طعام، فالتحكم يُشعرنا بالأمان وبأننا مثاليين ومُسيطرين ما يجعنا قادرين على التعامل مع خوفنا من المجهول. تتمثّل السيطرة على حياتنا في البقاء مُنشغلين طول الوقت، نملأ يومنا بالتخطيط للوجبات أو للرياضة.
من ناحية أخرى – ترتبط هذه الرغبة بمنظور تطوري – فقبل اكتشاف الزراعة كان يختبر الإنسان فترات يقل فيها الطعام وهي التي تشبه احتمال تعرّضه للمجاعة – وقتها كان يهاجر بحثاً عن بيئة آمنة وأفضل، هذه الهجرة كانت تدفعه إلى تأجيل إحساسه بالجوع والاستمرار في الحركة للعثور على هذه البيئة.
وبحسب الباحثة "شان جويسنجر" فإن الشخص الذي يعاني من اضطراب الأكل يكون مهووسا بالانشغال والحركة طول الوقت وتحمّل جميع المسؤوليات حتى يتخلص من الشعور بالجوع ويتجاهل رغبته في تناول الطعام – وهو ما يعرف ب "التكيف للهروب من المجاعة".
-الطهي للآخرين وعدم تناول الطعام معهم:
الهوس بالطهي أحد أشكال تمثّل الطعام وترجمة للرغبة في تناوله- ولأن اضطراب الطعام يجعلنا نصنّف الأكل ل "صحي" و "غير صحي" فإننا نطور ما يعرف ب "الأكل الآمن" و "الأكل المُخيف".
وحين نختار أن نطهو "الأكل المخيف" للآخرين ولا نتشاركه معهم فإن ذلك يعني أن عقلنا مشغول بهذا الطعام وبأنا نرغب في تناوله.
ماذا تفعل:
- ثق في مشاعرك:
اضطرابات الأكل متلاعبة – إذا بدأ عقلك يراودك بسؤال "هل أنا جائع أم لا؟" – ثق بأنك جائع وابدأ في تناول الطعام – ثق في جسدك وارسل لعقلك إشارة بأن الطعام متاح وبأن زيادة الوزن أمر طبيعي.
-تناول ما تشتهي:
لا تُصنّف الطعام، ولا تبالغ في تحليل اختياراتك – فكل الطعام جيد ومُغذي.
كما أن تصنيف الطعام شكل من أشكال التشوّه الفكري ويسهم في تقييد وجهة نظرك، تذكّر أن ما تشتهيه هو ما يحتاجه جسدك حاليا، وتذكّر أيضاً أن تناول الطعام لابد وأن يكون خبرة ممتعة.
-الإحساس بالذنب طبيعي:
بعد فترة من المكوث في دائرة أمانك التي تحكمها قواعد اضطراب الطعام – قد يكون اختبار الشعور بالذنب أمر طبيعي، بل هو علامة على التعافي.
عليك أن تُقدّر مشاعرك، عامل نفسك بحب – وتذكّر أنك لست وحدك، والشعور بالذنب قد يكون مفيدا فيدفعك إلى تحمل مسؤليتك تجاه التعافي.
بمرور الوقت سوف يتأقلم جسدك وسوف يتعامل عقلك مع الطعام باعتباره أمر طبيعي وليس بتهديد.
-تخلّص من رغبتك في البقاء مُنشغلا طول الوقت:
حين تجد نفسك مهووسا بالبقاء مُنشغلا طول الوقت – اسأل نفسك:
"هل أنا حقا مشغول، أم أن هذا مجرد إلهاء حتى أتجنب الطعام؟"
كُن أمينا في إجابتك – واعلم أنه حتى مع صعوبة التعرّف على الذات – فإنه مهارة تساعدك في التعرّف على احتياجاتك وكيفية الاستجابة لها.
لا تشعر بالذنب لأنك تريد المزيد من الطعام، ولا تشعر بالذنب لأنك ترغب في أخذ قسطا من الراحة والاستمتاع بوجبتك.
3- جوع ما قبل الطمث:
يحدث حين تشعر المرأة برغبة في تناول المزيد من الطعام قبل بداية دورتها الشهرية.
العلامات:
-جوع شديد.
-اشتهاء كميات كبيرة من الكاربوهايدرات والحلويات.
-الشعور بالذنب بعد الأكل.
ماذا تفعل:
يجب أن تعلم المرأة أن هذه مرحلة طبيعية تحتاج إلى قبولها واحترامها، كذلك من الضروري إخبارها أنه لا بأس من تناول المزيد من الطعام قبل الدورة الشهرية وبأن جسدها يستطيع التعامل مع هذه الكمية.
4- جوع عامل المُناوبة:
يحدث حين يختبر الشخص ساعات عمل غير مُنتطمة تُربك دورة حياته الطبيعية. يمكن اعتبار هذا التقييد الغذائي أمر عَرضي.
علاماته:
-تجاوز الوجبات (خاصة الإفطار).
-سوء التغذية.
ماذا تفعل:
يجب وضع جدول للالتزام بتناول الطعام، الاستجابة لمشاعر الجوع، الأكل باستمرار على مدار اليوم، عدم تخطي أي وجبة خاصة الإفطار (يجب تناولها فور الاستيقاظ من النوم)، والأهم أنه يمكن تغيير الوظيفة إن كان لها تأثير سلبي عليك وتمثل عبء على الجسد.
سوف نناقش من خلال عرض الأنماط التالية العوامل النفسية التي يمكن أن تؤثر على علاقتنا بالأكل، سوف نكتشف كيف يمكن للغضب، الإحباط، السعادة والمثالية أن تقودنا إلى علاقة غير صحية مع أجسادنا ومع الطعام.
لكن – وقبل أن نعرض هذه الأنماط – يجب التأكيد على أن استخدام الطعام كوسيلة للشعور بالراحة أمر طبيعي، ولا يجب أن تشعر بالذنب تجاهه، والأهم أن تعلم أن تقييد الطعام أبدا لن يكون حلا لإصلاح علاقتك به.
مع ذلك نحن في حاجة إلى أن نتعلّم كيف نتعامل مع مشاعرنا، حتى يصبح الطعام خبرة حياتية ممتعة وليس وسيلة لإصلاح ما نمر به.
5- جوع القلق:
يحدث حين نستخدم الطعام كوسيلة لتهدئة أعصابنا، قد نجد الشخص يشعر بعدم الرضا عما تناوله ويسجل شعوره بالجوع طول الوقت حتى لو كان قد تناول وجبة مناسبة.
من ناحية أخرى قد يكون تقييد الطعام تعبير على عدم قدرتنا على التعامل مع القلق أو لاعتقادنا لأننا لا نستحق وجبة جيدة.
العلامات:
الشعور بالجوع طول الوقت.
اختبار مشاعر الإحباط، الارتباك، وفقد القدرة على حل المشكلات.
الحديث عمّا "نريد" وليس عمّا "نحتاج".
المثالية.
الشعور بعدم الاستحقاق.
اختبار الضغط العصبي، والقلق سواء كان حقيقي أم مُختلق.
حديث سلبي للنفس.
صعوبة اتخاذ قرار.
عدم قبول فكرة ارتكاب الخطأ.
ماذا تفعل:
لأن الجوع هنا تعبير عن مشاعر مكبوتة وعوامل نفسية مخفية، فإننا في حاجة إلى تعلُّم كيفية التعامل مع مشاعرنا، ممارسة الأكل بشكل واع، الاعتناء بذواتنا، التعرّف على احتياجاتنا، وعدم الاعتماد على الأكل كوسيلة لحل مشاكلنا المؤجّلة واحتياجاتنا غير المُلبّاة.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن نتخلص من فكرة مقارنة أنفسنا بالآخرين، وضع معايير واقعية لذواتنا، تعلم آليات مسايرة جيدة لحل المشكلات، تقوية قيمة ذواتنا، رسم حدود داخل عقلنا ومع الآخرين، وأن نكون أكثر صرامة في التعبير عن رغباتنا واحتياجاتنا بطريقة تعكس احترامنا للآخرين.
6- جوع الملل:
يحدث حين لا يجد الشخص أي وسيلة أمامه سوى تناول الطعام.
العلامات:
-متلازمة نقص الانسجام النفسي.
-الشعور بالفراغ/الخواء.
ماذا تفعل:
-التعرّف على المشاكل المؤجلة وتعلّم كيفية التعامل مع المشاعر، تقديرها والتعبير عنها.
العمل على تقوية تقدير الذات ومعرفة الاحتياجات.
7- جوع الاحتفال:
يحدث حين يُستخدم الطعام فقط للاحتفال بمناسبة معينة.
العلامات:
الشعور بالحماس عند زيارة المطاعم.
الهوس بالرغبات وليس الاحتياجات.
قلة الثقة بالنفس.
الاعتماد على الطعام لتحقيق شعور بسيط بالسعادة.
ماذا تفعل:
يميل الشخص هنا إلى الحصول على سعادة بسيطة ولفترة وجيزة ما يعني أنه لا يحمل شعورا حقيقيا بالسعادة. يجب أن يتعلّم تقدير ذاته ومنح الأولوية لاحتياجاته. يركز على الاحتفال ببناء علاقات صحية مع الآخرين.
8- جوع الغضب/التمرد:
يحدث حين نسعى إلى الحصول إلى إشباع فوري باستخدام الطعام حال شعورنا بالغضب أو حين يتم منعنا من القيام بما نريد.
العلامات:
- تبني نمط التواصل السلبي العنيف: أي التعبير عن الإحباط والغضب بشكل سلبي يتمثل في عدم تحمّل المسؤلية.
- التعامل مع الحياة من منظور الضحية.
ماذا تفعل:
يجب أن نعرف لماذا نشعر بالغضب، ومن هو الشخص الذي تسبب في هذا الشعور، يجب أيضا أن ندرك ما إذا كان الغضب حقيقي أم غير حقيقي.
يجب أيضا أن نعرف سبب تمردنا، ونسعى لتبني أساليب أكثر نضجا للتعبير عن احتياجاتنا ونتعلم كيفية تحمّل المسؤلية.
9-جوع الوحدة:
يحدث حين يُستخدم الطعام كوسيلة للتعامل مع حدث مُنهِك تعرضنا له، قد نُقيّد أيضا كمية الطعام إذا كنا نمر بمشاعر مؤلمة لا نستطيع التعامل معها.
العلامات:
فقد القدرة على التعامل مع الخبرة المُؤلمة.
التعامل مع الطعام باعتباره وسيلة للهروب من المشاعر غير المُريحة.
ماذا تفعل:
لأن الطعام هنا وسيلة للتعامل مع ما يُثقل عقولنا وأرواحنا فيجب علينا أن نتعرّف ونفهم الأسباب غير الظاهرة وراء شعورنا بالوحدة. يجب أيضا أن نسعى لحصول على المساعدة حين نجد أنه من الصعب علينا التعامل مع الحزن بعد اختبار فقد شخص عزيز علينا أو فقد علاقة.
يجب أن نتعلّم كيفية التعامل مع مشاعرنا وتبني أساليب مسايرة نافعة للوصول إلى الرفاهة العقلية.
10- جوع المانح:
هذا الشخص يتناول كميات قليلة من الطعام وينكر شعوره بالجوع، قد يكون هذا الشعور تعبير عن احتياجاته غير المُلباة.
العلامات:
يتعامل مع الطعام باعتباره رفاهية لا تناسبه.
يوهب نفسه لاحتياجات الآخرين مُتجاهلا احتياجاته.
لا يستطيع قول "لا".
مُنهَك عاطفيا.
يسعى للحصول على تأييد من الآخرين.
ماذا تفعل:
المانح شخص تبدو عليه السعادة ظاهريا لكنه يعاني داخليا من الاستياء والغضب.
يجب أن يتعلم رسم الحدود، قول "لا"، يتوقف عن استرضاء الآخرين، يتعرّف على احتياجاته ويعبّر عنها بصورة حازمة.
إصلاح علاقتنا بالطعام أمر صعب يحتاج إلى الكثير من العمل والتفاني، لكن التعافي ممكن وهو عملية مستمرة؛ وحين تبني علاقة هادئة مع جسدك ومع الطعام فأنت تبني علاقة قوية مع ذاتك. لاتتردد في طلب المساعدة، فصحتك العقلية تستحق رعايتك وحبك.