article

اضطرابات الأكل والرياضة: القصة الحقيقية خلف معاناة الرياضيين

 

تمثل الرياضة أهمية كبيرة لدى الكثير، وعلى مدار العقود الماضية بدت الرياضة مسألة مهمة وحيوية في حياة الرياضيين والعامة، وعلى الرغم من كم الفوائد الجمة للرياضة إلا أنها في بعض الأحيان لا تكون مفيدة بل خطيرة وتهدد صحة الشخص وتقدمه.

إن الرياضيون ليسوا فقط محبين للرياضة ولكنهم اختاروا أسلوبا حياتيا مغايرا، غير شكل نومهم وطريقة أكلهم وسلوكياتهم اليومية، ولأن الوزن والأكل في حياة الرياضي له أهمية كبيرة على اداءه وتركيزه فاضحت المسألة هوس لدى الكثير، وتحول ذلك الهوس مع الوقت لضغط وكبت عاطفي، ثم اضطراب وخلل في طريقة الأكل والنظرة للجسد.

مع الوقت أصبح الرياضي يقسم الطعام بين ما هو جيد وغير جيد ويحسب سعراته الحرارية بكل تركيز ومنه أكل أشياء معينة، ويخشى أكثر من غيره أن يتم الحكم عليه وعلى مظهره، وهو ما دفعه لمزيد من الحرص الذي آثر على صحته النفسية.

اضطرابات الأكل وتأثيرها على الرياضيين

وفقًا لجمعية الطب النفسي الأمريكية، اضطراب الأكل هو اضطراب معقد ومستمر في سلوكيات الأكل، جنبًا إلى جنب مع الأفكار والعواطف المؤلمة. اضطرابات الأكل ليست خيارًا، هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تتسبب في تطور شخص لهذا المرض، مثل الوراثة أو عوامل بيولوجية ونفسية. ويتعرض الرياضيون بشدة للاضطرابات في الأكل حيث قد يتطلب رياضتهم البقاء في شكل أو وزن محدد، وبالتالي قد يتحول الامر إلى هوس بجسدهم أو شكلهم؛ وهذا هو سبب تأثير اضطرابات الأكل على الرياضيين أكثر من غيرهم.

تشير الدراسات إلى أن 19٪ من الرياضيين الذكور وحتى 45٪ من الرياضيات يواجهون اضطرابات في الأكل. المشكلة التي نواجهها في الوقت الحالي هي أن اضطرابات الأكل أصبحت شائعة جدًا في مجتمعنا، حيث يميل الناس إلى تمجيد تقليل كمية الطعام؛ وتصنيفه كجيد / سيئ .

وفي بعض الأحيان يكون من الصعب حقًا معرفة ما إذا كان الشخص مصابًا باضطراب في الأكل أم لا ؛ ولكن هناك علامات معينة يمكنك البحث عنها للاعتبار ما إذا كان شخص مصابًا باضطراب في الأكل. وتشمل هذه العلامات:

  • تناول طعام يصفه المجتمع بأنه "صحي"
  • وعد السعرات بصورة مرضية
  • التدرب بشدة خارج جلسات التدريب العادية للرياضيين مثل التدرب بالثلاث أو الأربع ساعات بصورة يومية
  • إضافة إلى ذلك، أكل ما هو أقل من ما يحتاجه الجسم من طاقة.

ما هي الرياضة المفرطة؟

يعتبر الرياضيون المحترفون (أحيانًا الرياضيون العاديون أيضًا) من بين الأشخاص الذين يعانون من سلوك مضطرب غير مدرك، وهو التدريب المفرط. وهو عندما يزيد الرياضيون الأعباء تدريبية الشديدة دون وقت كافٍ للراحة والتعافي، اعتقادا منهم أن ذلك قد يساعدهم.

ومن علامات التدرب المفرط:

  • استمرار فترة التعب والاجهاد لفترة طويلة.
  • نقص في النوم أو نمط نوم مقطع
  • تقلبات المزاج.
  • فقدان الشغف.
  • انخفاض المستوى.
  • انخفاض الوزن بشكل سريع.
  • خلل في الجهاز الهضمي مثل إمساك / إسهال.

التعافي من التدريب الزائد ليس مستحيلاً على الرغم من أنه قد يستغرق بعض الوقت، ولكن من السهل على الرياضي أن يعود دون إلحاق الضرر بنفسه. أهم شيء بالنسبة للرياضي الذي يعاني من التدريب الزائد هو الراحة، حيث إنها حاسمة لتعافيه؛ والراحة يمكن أن تكون مؤقتة أو قد تشمل تخفيض التدريب، وذلك يعتمد على شدة التدريب الزائد. خلال هذه الفترة يجب على الرياضي أن يحذر من عدم تناول الطعام بشكل غير كافٍ أو حرمان نفسه من التغذية السليمة. نظرًا لأن العديد من الرياضيين معتادون على الاستمرار فقد يكون التوقف عن الرياضة بكثافة مسألة صعبة ومعقدة، وبالتالي، فإن البحث عن دعم من متخصص في الصحة النفسية ضروري. قد يحتاج الرياضي أيضًا إلى دعم إضافي من أشخاص قريبين مثل الأصدقاء والعائلة خلال هذه الفترة.

عند العودة إلى التدريب، يجب على الرياضي التأكد من التدرج تدريجيًا في رياضتهم وعدم الاندفاع؛ علاوة على ذلك، يمكن تجنب التدريب المفرط عندما يبدأ الرياضي في الاستماع إلى كيفية شعور جسده فعلًا.  تسجيل جلسات التدريب الخاصة بهم في يوميات قد يكون وسيلة مفيدة لكي يفهم كيف يشعر جسدهم خاصة عندما يبدأون في العودة إلى روتين التدريب وزيادة شدته، بالإضافة إلى توثيق والاعتراف بتقدمهم. التأكد من أن الرياضي يقدر راحته بقدر ما يفعل مع التدريب.

أنواع اضطرابات الأكل والرياضة:

هناك مجموعة متنوعة من اضطرابات الأكل ويمكن للرياضيين أن يعانوا من أكثر من نوع واحد. ولكن المقال سيتحدث عن الأشكال الشائعة التي يمكن للرياضيين أن يعانوا منها.

النوع الأول هو فقدان شهية عصبي (أنوركسيا)، حيث يبدأ الشخص في مراقبة استهلاك سعراته الحرارية بشدة وتقليله بشكل كبير وتقييد بعض أنواع الطعام. الرياضيون الذين يمارسون الرياضات المركزة على الوزن عادة ما يعانون من هذا النوع من اضطرابات الأكل. ولا يمكن معرفة ما إذا كان شخصًا يعاني من فقدان الشهية العصبي عن طريق مراقبة وزن جسمه لأنه ليس مؤشرًا حقيقيًا، فبعض الأشخاص لديهم أجسام أكبر ولا يزالون يعانون من فقدان الشهية العصبي.

أولئك الذين يعانون من فقدان الشهية المرضي يهتمون بشكل مفرط بحقائق التغذية للطعام ويتخطون وجبات الطعام وعادة ما لا يمتلكون قدرة مناسبة على التركيز. وقد يقوم الرياضيون الذين يعانون من فقدان الشهية المرضي بالتمارين الزائدة أو استخدام التمارين كوسيلة لمعاقبة أنفسهم إذا شعروا بأنهم تناولوا طعامًا بكثرة، أو يتقيؤون عمدًا الطعام الذي تناولوه. وقد تكون اضطرابات صورة الجسم أو تشوه صورة الجسم نتيجة لفقدان الشهية المرضي، حيث يفحص الشخص نفسه باستمرار.

نوع آخر شائع من اضطرابات الأكل لدى الرياضيين هو اضطراب الأكل العصبي (بوليميا). وهذا شائع في المجتمع الرياضي حيث يركز معظم الرياضيين على تغذية أجسامهم وقد ينتهون في بعض الأحيان بتناول كمية أكبر من المألوف، أو بسبب عدم قدرتهم على تحمل قيود الطعام التي تفرض عليهم. وينتهون بالإفراط في تناول الطعام، ثم يستخدمون وسائل غير صحية للتخلص من ما تناولوه مثل التدريب المفرط، والتقيؤ المقصود أو حتى الصوم.

الرياضيون الذين يعانون من هذا النوع من اضطرابات الأكل قد يقومون بسلوكيات شائعة مثل تناول كميات كبيرة من الطعام والذهاب مباشرة إلى الحمام بعدها للقئ، وغالبًا ما يشغل الطعام وحجم الجسم مساحة كبيرة من تفكيرهم، وغالبًا ما يتناولون الطعام حتى بعد شعورهم بالشبع، ويشعرون بالذنب تجاه تناول بعض الأطعمة، فضلاً عن تصنيف الطعام على أساس جيد / سيئ.

ومن الأنواع الأخرى، اضطراب الأكل المفرط (binge eating) وهو اضطراب آخر شائع يمكن أن يعاني منه الرياضيون. يحدث هذا عندما يحرم الرياضي نفسه من بعض مجموعات الأطعمة، ويشارك في تقليل السعرات الحرارية ويتناول كمية قليلة جدًا مقارنة بما يحتاجه جسده. هذا يؤدي إلى أن يأكل المصاب بهذا الاضطراب أكثر من مدى شبعه، ويخبئ الطعام، ويشعر دائمًا بالذنب أو الخجل عند تناوله للطعام، وأحيانًا يتناولون الطعام في سرية.

آثار اضطراب الأكل على الرياضي

اضطرابات الأكل يمكن أن تؤثر على الرياضيين بشكل طويل الأمد إذا لم يبحثوا عن العلاج. نظرًا لأن الرياضيين عادة ما يتدربون بشكل زائد، فعندما يعانون من اضطرابات الأكل، فإنهم يعانون أيضًا من سوء التغذية بسبب قلة الأكل. وبالإضافة إلى ذلك، يتسبب هذا في توقف أجسامهم عن العمل بشكل صحيح.

أخيرا يمكن أن تؤثر اضطرابات الأكل على أي شخص بغض النظر عن جنسه أو عمره أو حجم جسده والعديد من العوامل الأخرى. يتعرض الرياضيون للإصابة بالاضطرابات الأكل بشكل أكبر بسبب المهام التي يحتاجون إلى التركيز عليها مثل ساعات نومهم وجلسات التدريب وأخيرًا، نوعية طعامهم. اضطرابات الأكل هي اضطرابات نفسية وليست خيارًا.

إن المرور باضطراب الأكل صعب، وقد يستغرق الشفاء وقتًا، ولكنه سيكون دائمًا أفضل من الحفاظ على علاقة غير صحية مع الطعام والتمارين الرياضية؛ وفي النهاية، فإنه يستحق كل هذا الجهد وسيكون أفضل رحلة ستخوضها على الإطلاق. إذا كنت شخصًا يعاني من اضطراب في الأكل، فتذكر أنك لست وحدك، فالشفاء ممكن جدًا، والبحث عن المساعدة المهنية دائمًا فكرة مهمة.