كتبت: مريم كمال
واحدة من أعز صديقاتي نصحتني:
"لمّا تحسي إنك متضايقة، مُكبّلة، أو مُحبطَة – افتكري بالتفصيل آخر مُجاملة سمعتيها"
لفترة طويلة بحثت عن الآثار الإيجابية للمُجاملات واكتشفت إن استرجاع المجاملات في الذهن بيساعدنا إننا نتعامل بشكل أفضل مع مشاعرنا المؤلمة وممكن يكون الطريق لاستعادة سعادتنا وحماسنا تجاه الموقف اللي بنمر به.
المُجاملات تجعلنا نشعر بإننا أفضل، لنا قيمة، ومُقدّرين.
المُجاملات تُحفّز مناطق المخ المُرتبطة بالمكافآت المادية، وممكن تساعد في تعلم مهارة أو سلوك جديد.
بالإضافة لكده، المجاملات لها دور في زيادة شعورنا بالانتماء، والبقاء ومن ثم النمو والتطور.
لكن – هل ممكن فعلا إننا نحصل على مجاملة في غير محلها؟
النوايا الحسنة، النتائج السيئة:
لمّا كنت باعاني من اضطراب الأكل – كنت فقط باتناول الطعام المُصنّف باعتباره "نظيف"، كنت مهووسة بفكرة "نمط الحياة الصحي"، مُلتزمة بعادات أكل قاسية، وكنت الشخص الأفضل في إنكار احتياجاتي ومنح الأولوية لاحتياجات الغير – أو ما هو معروف بال "الشخص الذي يسترضي الآخرين".
بشكل ظاهري – تعكس السلوكيات السابقة مفهوم الشخص الكامل المثالي، وعليه كنت باتلقى مجاملات تمدح في شكل جسدي "النحيف"، تمدح في نمط حياتي، عادات أكلي، وأخيرا شخصيتي.
السلوكيات دي كانت بمثابة البذور الأولى لاضطراب الأكل – ولأن ما نرعاه ينمو – فالمجاملات اللي كنت باتلقاها على سلوكي هي اللي منحت الأنوركسيا الحياة.
وعلشان كده لازم نتحرّى معنى وأثر أي مجاملة قبل ما نقولها.
صورة الجسد – صورة الذات:
إحنا بنعيش في ثقافة تمدح وتدعم شكل نمطي محدد مثالي للجسد، وترسخ لفكرة وجود علاقة بين صورة الجسد وصورة الذات.
ممكن ببساطة نكتشف هذا الأمر بمجرد ما نشاهد التليفزيون أو نندمج في حوار عائلي.
وقتها هانكتشف الهوس بأفكار فقدان الوزن، بناء العضلات، تناول الطعام الصحي والربط بينها وبين السعادة والقوة وربما إنك تكون شخص محبوب.
وبناء عليه، أصبحنا نتبنّى ونشجع أي سلوك ممكن يحقق الاحتياجات السابقة وأيضا يحقق لنا الإحساس بالأمان وبإننا مانزال ننتمي لتلك الثقافة.
الهادم والداعم:
إحنا مانعرفش كتير عن اللي بيمر به الناس اللي حوالينا.
بعض الناس لا تملك القدرة على التعامل بشكل صحيح مع مشاعرها غير المريحة.
وقتها ممكن تحاول إنها تخدّر هذه المشاعر، أو تتجاهلها، أو تحاول تبحث عن معنى لها من خلال تبني آليات سيئة التكيف.
واحدة من أهم هذه الآليات هي فكرة التحكم في شكل الجسد.
بالتالي: تلقي مجاملات تمدح في هذا التحكم يعني بشكل مباشر أننا ندعم هذه الآلية – حتى لو كان الشخص الذي يمنح المجاملة لا يقصد ولا يعلم بعواقب الأمر.
بحسب "بيثاني جوبي Bethany Juby، وميشيل بوغل Michelle Pugle" – الفعل ده اسمه "تمكين السلوك الخاطيء" – ويعني:
"التشجيع على وجود عادة خاطئة بدلا من دعم أخرى جيدة".
ولذلك، فامتداح السلوك المرتبط بتقييد الطعام قد يعني التشجيع على أومباركة احتمال وجود اضطراب، وربما تمكين لفكرة تخدير المشاعر.
والحل الأفضل للخروج من هذه الدائرة يتم عن طريق إننا نكون "الطرف الداعم للعادة الجيدة."
المجاملات الأبقى:
يقول "كارل يونج Carl Jung": "تخبرنا مشاعرنا بما هو مهم بالنسبة لنا".
اعتاد معظمنا على فكرة القبول والاحتفاء بالمشاعر "الجيدة"، وتجاهل وإنكار المشاعر "السيئة".
تعلّمنا فقط كيف نشعر بالسعادة،، لكن لم نتعلّم كيف نشعر بالغضب.
تبقى المشاعر واحدة – والقدرة على التعامل مع المشاعر "السيئة" أو اكتشاف أسبابها غير الظاهرة هو التعريف الحقيقي للنمو والذكاء العاطفي.
وعليه، متى شعرت بالخوف أو الغضب أو أي مشاعر أخرى غير مريحة ، لابد أن تتعرّف عليها وتشعر بها.
ومتى اختبرت خوف أو غضب شخص آخر لابد أن تتعلّم مهارة الاستجابة لمشاعره أو مشاعرها بشكل صحي.
يمكنك أن تجامل نفسك، اصنع قائمة بالصفات الجيدة التي تحملها، وتجنب قدر الإمكان مدح جسدك أو مظهرك. فكّر في "صفاتك الحسنة" ولا تفكر في "كيف يبدو شكلك".
استمع إلى معاناة الآخرين دون أن تُصدر عليهم أو علي معاناتهم أي أحكام، حاول ألا تسعى إلى إصلاح أو تعديل سلوكهم، ولا تُعلّق على شكل أجسادهم أو عادات أكلهم.
تعزّز المجاملات هورمونات السعادة، ويبقى أثرها في ذهن مُتلقيها عدة أيام، ويستمر لأكثر من أسبوعين في ذهن قائلها.
لذلك – في المرة القادمة حين تقرر مجاملة أحد – ابحث بشكل أعمق واختر صفات حقيقية يدوم أثرها للأبد.